من تقليل التضخم الإداري إلى مخزن آمن للقيمة.. الأدوار الحضارية المختلفة لعملة البيتكوين

  • أخبار

  • I
  • I

قال رجل الأعمال تشارلي منغر: “لا شك أنني أكره نجاح البيتكوين ولا أرحب بعملةٍ تُفيد الخاطفين والمبتزين وغيرهم. ولا تعجبني فكرة ضخ مليارات الدولارات على شخص ابتكر للتو منتجاً مالياً جديداً من العدم. ولهذا أقول بكل تواضع إنني أرى في ذلك التطور بأكمله فكرةً مقززة تعارض المصالح الحضارية. وسأترك الانتقادات للآخرين”.

حان وقت التركيز على بعض الطرق التي يمكن أن تساهم بها عملة البيتكوين في حضارتنا، بحسب مجلة Bitcoin Magazine الأمريكية. إذ أصبحت بعض تلك الإسهامات واضحةً الآن. وسنُحلل بعدها الحجج التي صرح بها منغر. لكننا سنبدأ الحديث بإسهامات عملة البيتكوين (BTC):

هبوط مفاجئ في ثقة المستهلك الأمريكي يهزّ الأسواق

"Web3: مستقبل واعد للشباب العرب وفرص لا حصر لها"

‏Mal.io تُرسّخ مفهوم التداول الآمن والمُجزٍ للعملات الرقمية عبر الـ "Spot"

انخفاض أسهم شركات التعدين مع اقتراب حدث تخفيض قيمة البيتكوين إلى النصف

تقلبات حادة في سوق العملات الرقمية: بين التحليل الفني و التحليل الاساسي

‏Worldcoin يثير جدلاً واسعًا لجمعه بيانات قزحية العين مقابل العملة المشفرة

توجه صيني لزيادة الاستثمار في البيتكوين

بيع الولايات المتحدة للبيتكوين يثير قلق المستثمرين

 تُقلّل التضخم الإداري. إذ إن السجلات المتاحة للعامة تُلغي الحاجة إلى الكثير من المهام المطلوبة للتحقق من تحويلات الثروة والتدقيق فيها.  تُساعد في تحويل مبالغ الثروات الكبيرة حول العالم برسومٍ أرخص.  يُمكن أن تعمل كسندات الخزانة، لكنها توفر عائدات أعلى. ويرجع السبب إلى أن العائد الحقيقي على السندات دائماً ما يكون أقل من المتوقع، وذلك نتيجة التضخم.  تؤدي دور مخزن القيمة الآمن للثروة على نحوٍ متزايد، وربما تعمل كحسابات التوفير أيضاً لأن رأسمالها السوقي ينمو، بينما تقل معدلات تقلبها مع مرور الوقت. فضلاً عن أن قوة الحوسبة المهولة التي تدعم الشبكة، وطريقة توزيع تلك القوة بين مختلف الولايات القضائية حول العالم، تضمن عدم التلاعب بشبكة البيتكوين وسجلها. يُمكن القول إن إسهام البيتكوين في الحضارة سيكون كبيراً بدرجةٍ ستُلغي الحاجة إلى الذهب وسندات الخزانة تدريجياً، بالتزامن مع ارتفاع معدلات تبني البيتكوين. ومن المؤكد أن عملة البيتكوين تُعَدُّ مجرد منتج أو أصل مالي عادي في الوقت الراهن. لكن ارتفاع معدلات تبني البيتكوين سيجعلها تحل تدريجياً في محل المنتجات والأصول المالية الأقدم، والأقل كفاءة، والأغلى ثمناً. حيث تمثل عملة البيتكوين أداة هندسة مالية حقيقية، ويُمكنها حفظ تدفقات طاقة إثبات العمل داخل أصل رقمي غير قابل للإفساد أو إعادة الإنتاج. إذ أوضح مايكل سايلور أن عملة البيتكوين تمثل طاقةً نقدية سليمة من ناحية الديناميكا الحرارية.

وسننتقل الآن إلى تفنيد حجج تشارلي منغر

قال منغر: “لا تعجبني فكرة ضخ مليارات الدولارات إلى شخص ابتكر للتو منتجاً مالياً جديداً من العدم”.

ولا شك أنها نقطة مثيرة للاهتمام من الناحية النفسية على أقل تقدير. لكننا سنجد أن كل اختراع له قيمة “خرج من العدم”، وكان مجرد فكرة في عقل شخصٍ ما. لهذا فإن حجته هنا لا أساس لها من الصحة. وسنضرب مثالاً بالأخوين رايت هنا، حيث تخيلا الطائرة في رأسيهما “من العدم” أولاً على حد تعبير منغر، قبل البدء في بناء أول طائرةٍ فعلياً. علاوةً على أن مؤسس البيتكوين لم يضع مليارات الدولارات المذكورة في جيبه الخاص. لأن أي شخص يشتري عملة البيتكوين هو شخص يشتري جزءاً في شبكة البيتكوين، أي إنه يشتري ملكيةً محدودة في البلوكتشين وتصبح ملكيته بمفرده بمجرد تسلمها. بينما سيصبح المشترون الأوائل أكثر ثراءً نتيجة ارتفاع معدلات تبني الأصل، لكن الحدث الحضاري الإيجابي هنا يكمن في التحسين الجذري لتدفقات الثروة كما ذكرنا أعلاه.

وإذا كان منغر يريد القول إن عملة البيتكوين يسهل سكّها أو تقليدها، فليس افتراضه صحيحاً أيضاً. حيث يحتاج تعدين عملة البيتكوين الواحدة لكميات كبيرة من الطاقة بفضل تصميمها. ويتمثل الأثر الجانبي لآلية التعدين المذكورة في تحفيزنا على استغلال الطاقة المهدرة وإعادة توظيف بنية الطاقة التحتية. ولا شك أن هذا الأمر يُعَدُّ إسهاماً ممتازاً في الحضارة.

كما قال منغر: “أكره نجاح البيتكوين ولا أرحب بعملةٍ تُفيد الخاطفين والمبتزين وغيرهم”.

تكمن مشكلة هذا المنطق في أنه يعادل قول المرء: “أكره نجاح السكاكين ولا أرحب بأداة تُفيد المجرمين”. فما رأيك لو أخبرتك أن بإمكانك استخدام السكين لتقطيع الطعام، وسلخ جلود الحيوانات، والمساعدة في بناء حضارة كاملة؟ كما يُعادل ذلك المنطق أن يقول المرء: “أكره النار بسبب وجود المهووسين بالحرائق”. فما رأيك لو أخبرتك أن “اختراع” النار يمثل نقطة التحول التي ميزت المجتمع البشري عن الحيوانات فعلياً؟

ناهيك عن أن تشديد القوانين المفروضة سيقلل قدرة المجرمين على استغلال البيتكوين، لأن السجلات عامة وجميع المعاملات تخضع للتعقب. ومن المفترض أن تختفي الاستخدامات الإجرامية لتقنية البلوكتشين تدريجياً بالتزامن مع البدء في تطبيق اللوائح، وقواعد معرفة العميل، وقوانين مكافحة غسيل الأموال. بينما يُعتبر تعقب الأموال النقدية القديمة، أو الأموال المادية، أصعب بكثير. فلماذا سيقبل تاجر المخدرات مثلاً الدفع بعملة البيتكوين داخل محفظته المقننة التي تتعقبها دائرة الإيرادات الداخلية؟ من الصعب أن تنجو الأنشطة الإجرامية القائمة على معاملات البيتكوين في ظل مثل هذا السيناريو التنظيمي، الذي سيلغي مجهولية هوية أصحاب البيتكوين أمام السلطات.

ولا خلاف على أن المجرمين يمكنهم إنشاء سوقهم السوداء الخاصة للمحافظ والمتاجر، لكن أجراس الإنذار ستدق بمجرد ربط محفظة إجرامية بواحدة من المحافظ المقننة التي تتعقبها دائرة الإيرادات الداخلية. مما يعني أن “السوق السوداء للأصول الرقمية” ستعيق نفسها عن المشاركة في الاقتصاد، حيث سيعجز المجرم عن استخدام ثروة محفظته الإجرامية في أي شيء بخلاف السلع والخدمات الإجرامية التي لا يجري تعقبها. بينما يجني المجرمون الأموال النقدية في السوق السوداء اليوم، ثم ينفقونها للشراء من المتاجر والمطاعم وغيرها، أي إن المجرم يمكنه كسب قوت يوم من الجريمة اليوم بكل فعالية.

ويُمكن القول إن أذكى الفوضويين (اللاسلطويين) يعارضون التبني واسع النطاق للبيتكوين اليوم، لأنهم يدركون أنه سيؤدي إلى مجتمع يجري تعقب كل خطوات المرء فيه. ولهذا من المنطقي أن يعارض المجرمون التبني الجمعي للبيتكوين أيضاً. وإذا كانت عملة البيتكوين تُفيد المجرمين في الوقت الراهن، فسنجد أن السبب يرجع لكونها في مراحل التبني المبكرة وعدم خضوعها لأي تنظيم عملي. وتذكر أننا نتحدث هنا عن استبدال محفظتك المادية غير القابلة للتعقب بمحفظةٍ رقمية قابلة للتعقب، فكيف يمكن أن تزدهر الجريمة في ظل مثل هذه الظروف؟ لن يحدث ذلك إلا من خلال الجريمة الشديدة التنظيم أو بمساعدة الحكومة.

يُذكر أن الكثير من الناس ضحكوا على الأخوين رايت عندما تحطمت أول طائرة قاما ببنائها. كما ضحكت القردة عندما أحرق بعضها نفسه بالنار أول مرة. ولا شك أن حال تلك القردة لم يتغير، فماذا عنك أنت؟ هل ستظل على حالك الآن؟

يقول تشارلي منغر في روايةٍ أخرى: “هناك درسٌ جيد للجميع يتمثل في القدرة على استقبال الانتقادات بشكلٍ بناء والتعلم منها”.

يمكنك مشاركة العمل على