بدأ عام 2022 بحالة سقوط حر للعملات المشفرة الرئيسية مثل البيتكوين (BTC) والإيثريوم (ETH). ونظر البعض للأمر وقتها باعتباره جزءاً طبيعياً من تقلبات المضاربة المالية. لكن انهيار العملة المستقرة البارزة، دولار تيرا (UST)، جاء سريعاً.
ويهدف تصميم العملات المستقرة إلى حماية المستثمرين من التقلبات العالية للعملات المشفرة حسب المفترض. لكن مليارات الدولارات اختفت فجأة، وانهارت معها عملة تيرا (LUNA) أيضاً.
العملات الرقمية: بين سحر الأرباح وخُطر الاحتيال
مشروع العملة الرقمية القطرية : خطوة استراتيجية نحو تعزيز كفاءة القطاع المالي
Mal.io تطلق المرحلة الثانية من برنامج Airdrop
المغرب يتجه نحو تبني "الدرهم الإلكتروني لتعزيز التحول الرقمي المالي
منصة Mal.io العربية تطلق عملتها الرقمية "Mal" وتعلن عن عملية Airdrop سخية
هبوط مفاجئ في ثقة المستهلك الأمريكي يهزّ الأسواق
"Web3: مستقبل واعد للشباب العرب وفرص لا حصر لها"
Mal.io تُرسّخ مفهوم التداول الآمن والمُجزٍ للعملات الرقمية عبر الـ "Spot"
وامتد الأثر غير المباشر إلى شركات الإقراض المشفر التي انهارت، مثل سيلزيوس Celsius وبلوكفاي BlockFi. فضلاً عن صندوق استثمارات التشفير Three Arrow Capital الذي أفلس، ومنصة فوياجر Voyager التي تعثرت.
ولا شك أن الأجواء المضطربة التي خيّمت على العملات المشفرة في العام الجاري أثارت الانتباه واليقظة. حيث جرى القبض الآن على مؤسس إف تي إكس FTX سام بانكمان-فرايد في جزر البهاما بطلب من الولايات المتحدة.
وأصبح من الصعب تحديد نقطة انطلاق هذا التفاعل التسلسلي مع انهيار العديد من شركات العملات المشفرة بسرعة جنونية، مما يلقي بظلاله على مستقبل العملات المشفرة عموماً.
وأدت تلك الأحداث إلى تضخيم الجدل الدائر بين أنصار العملات المشفرة وبين المشككين فيها. لكن يجب التفكير في ما إذا كان سبب الكارثة الحالية ناجماً عن عيب كبير في العملات المشفرة أم في منظومتها المتضخمة، بحسب مؤسسة Lowy Institute الأسترالية.
إذ تعتمد جميع العملات المشفرة على تقنية البلوكتشين، التي تُتيح الاحتفاظ بسجل إلكتروني لامركزي لملكية العملات. وحظيت تقنية البلوكتشين بدراسة علمية، كما جرى اختبارها والتحقق من فاعليتها حتى في التطبيقات الروبوتية البعيدة عن عالم التشفير. وتُسهِّل شبكات البلوكتشين صيانة السجلات الإلكترونية دون الحاجة إلى سلطات وجهات تنظيم مركزية، على عكس غالبية العملات الوطنية. ولا شك أن هذا الأمر له تداعياته على الضوابط الدولية أيضاً.
وليس عيب العملات المشفرة تقنياً، لكنه وجودي. فهل تخدم العملات المشفرة أي غرض، أو سوق، أو وظيفة أخرى على عكس الأنظمة النقدية المركزية السائدة؟ هناك الكثير من الجدل بين الخبراء وبين أنصار العملات المشفرة حول إجابة هذا السؤال المحوري. إذ يجادل الخبراء بأن العملات المشفرة هي أصول مضاربية بطبيعتها. ومع ذلك يمكن اعتبار العملات مجرد أصل مضاربي آخر في النظام المالي، كالذهب مثلاً.
ويمكننا القول في هذه الحالة إن التحديات الخطيرة التي تواجه عالم التشفير تكمن في منظومة التشفير، وليس في العملات المشفرة نفسها. إذ كشفت التحقيقات عقب انهيار شركات التشفير أن منظومة العملات المشفرة تتألف من شبكةٍ متماسكة من الأطراف الفاعلة وأهمها جهات الإقراض، وصناديق التحوط، ومنصات التداول، والمحافظ، والعملات المستقرة. وتلعب غالبية الأطراف المؤسسية في مجال التمويل اللامركزي DeFi دوراً يجعلها أشبه بنظيرتها في مجال التمويل التقليدي، حيث تعمل بأسلوبٍ مركزي بالكامل.
ويبدو أن المنظومة تتجاهل خاصية اللامركزية المُحتفى بها، والتي يُفترض أن تمنح العملات المشفرة أفضليةً على العملات العادية. حيث قال بنك مورغان ستانلي مؤخراً إن المركزية هي التطور الطبيعي للتوسع المالي في أسواق العملات المشفرة. ويكمُن العامل المهم الآخر في أن غالبية شركات التشفير ليست لديها سوى تفاعلات محدودة للغاية مع أسواق التمويل التقليدي. ولا عجب في ذلك، لأن دخول مجال التمويل التقليدي يستوجب الامتثال للإطار التنظيمي، بينما يعمل عالم التشفير بموجب قواعد قليلة ومحدودة.
ويُشكّل مجال التمويل اللامركزي شبكةً معقدة من الاعتمادات بين شركات التشفير وبعضها في المقام الأول، مع القليل من الجسور على هامش مجال التمويل التقليدي. لكن غياب التنظيم المنهجي يعني عدم وجود خريطة مفصلة لارتباط تلك الشركات ببعضها البعض. ولا نعرف كيف يبدو شكل شبكة التمويل اللامركزي في الواقع.
ومع ذلك، يستطيع علم الشبكات -أحد فروع نظرية التعقيد- مساعدتنا في فهم الخطوط العريضة لمنظومة العملات المشفرة والشبكات المهيمنة داخلها. ويمكننا الاعتماد على معرفتنا المحدودة المُستمدة من التحليلات التي أعقبت الانهيارات الكبرى لشبكة تيرا ومنصة إف تي إكس مثلاً. حيث كشفت تلك التحليلات عن معدلات مرتفعة للغاية من العنقدة في منظومة العملات المشفرة، ويمكن تشبيه العنقدة بما يحدث في شبكتك الاجتماعية عندما يكون أصدقاؤك أصدقاء في ما بينهم.
وتُقدم العنقدة العديد من الفوائد في الشبكات الاجتماعية، مثل الدعم عندما تحاول الإقلاع عن التدخين، لكنها تُضخِّم عدوى التأثيرات السلبية أيضاً. وإذا كان ترابط شركات التمويل اللامركزي القائمة مشابهاً لترابط الشركات المنهارة -أو متداخلاً معها-، فمن المرجح أن تستمر منظومة العملات المشفرة في المعاناة من الإخفاقات الممنهجة المتعاقبة.
ومن المؤكد أن هذا الأمر لن يعني انهيار العملات المشفرة بالضرورة، لكنها قد تكون نتيجةً حتمية لأن ثقة المستثمرين ستتآكل مع الوقت في مرحلةٍ ما بالتأكيد، حتى في أوساط أكثر الأنصار حماسة. وسنرى إلى أي مدى تستطيع منظومة التمويل اللامركزي الاستمرار في تحدي الجاذبية، لكن يظل من المستبعد أن تنجح في عصيان قوانين نظرية التعقيد.
يمكنك مشاركة العمل على